الجيرة من «استجار»، وما أروع أن تكون العلاقات بين الجيران قائمة على أسس الاحترام والمودة والتقدير، والجار له حق كبير لازم شدد عليه الإسلام، وحث على حفظ حقوق الجار بكل أمانة، وهذا واضح في قول النبي صلى الله عليه وسلم «مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه» (حديث صحيح).

ونتطرق اليوم إلى «جارة» أبي فراس الحمداني وهو الأمير والفارس الشاعر الحارث بن سعيد بن حمدان بن حمدون التغلبي أمير منبج وابن عمه سيف الدولة علي بن عبدالله بن حمدان بن حمدون، وقد قال الثعالبي في وصف أبي فراس «كان فرد دهره وشمس عصره أدبا وفضلا وكرما وبلاغة وبراعة وفروسية وشجاعة، وشعره مشهور سائر بين العذوبة والفخامة والجزالة والسهولة والجودة ولم تجتمع هذه الخلال إلا بعبدالله بن المعتز العباسي وهو أشعر منه».

اما جارة أبي فراس فلها قصة حزينة، فقد أسرته الروم في خرشنة بعد ان أصيب بسهم في فخذه ونقل الى القسطنطينية ووضع رهن الأسر فيما يشبه القلعة وظل أسيرا لمدة غيـر قصيرة، وارسل الى ابن عمه سيف الدولة طالبا منه فك أسره إلا أنه تباطأ في ذلك لأسباب غير معلومة، فقال قصائد كثيرة وهو في الأسر سميت بـ«الروميات»، وحنّ الى مسقط رأسه منبج وبلغ به الشوق الى دياره وأهله مبلغه وملّ من الأسر وحزّ في نفسه الإبطاء في فدائه، وبينما هو في أسره ذات يوم أبصر حمامة تنوح على غصن شجرة عالية أمامه فتنفس الصعداء وقال بنبرة حزن وشجن:

اقول وقد ناحت بقربي حمامة

أيا جارتا هل هل تشعرين بحالي؟معاذ الهوى ماذقت طارقة النوى

ولا خطرت منك الهموم ببال

أتحمل محزون الفؤاد قوادم

على غصن نائي المسافة عالي

أيا جارتا ما أنصف الدهر بيننا

تعالي أقاسمك الهموم تعالي

تعالي تري روحا لدي ضعيفة

تردد في جسم يعذب باليأيضحك مأسور وتبكي طليقة

ويسكت محزون ويندب سالي

لقد كنت أولى منك بالدمع مقلة

ولكن دمعي بالحوادث غالي

ودمتم سالمين

مشعل السعيد – الأنباء الكويتية